- أحاديث رمضان
- /
- ٠07رمضان 1421 هـ - دراسات قرآنية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أصل الدين معرفة الله :
أيها الأخوة الكرام : في هذه الدروس الأخيرة أحب أن أجمع لا أن أفصّل ، أية دعوة إلى الله لا تنجح إلا إذا اتبعت سيرة النبي عليه الصلاة والسلام مع أصحابه ، فكل داعية يحقق نجاحاً كبيراً إذا اتبع سنة النبي في الدعوة ، ويخفق ويثير حوله جدلاً كبيراً إذا خالف سنة النبي في الدعوة .
أولاً : يقول الله عز وجل :
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ﴾
المهمة الأولى :﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾
الآيات الدالة على عظمته ، أصل الدين معرفة الله ، البارحة تحدثنا عن أن في الدين ركائز كبيرة ؛ أول ركيزة طلب العلم ، الاستقامة ، العمل الصالح ، الاتصال بالله ، أربع ركائز ، اليوم بالدعوة إلى الله أربع ركائز ، ما من دعوة أخفقت إلا لأنها أغفلت إحدى هذه الركائز ، أول ركيزة :﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾
لابد من أن تعرفه ، لو نظرت إلى أكثر الدعوات إلى الله عز وجل ، التركيز فقط على التفاصيل ، على أحكام الفقه ، وهي أساسية جداً ولكن لا تكفي ، شرط لازم غير كاف ، مثلاً المؤمن لمجرد أن يعرف الله يسأل ما حكم هذا الشيء ؟ ما رأي الشرع في هذا ؟ ما موقف الدين من هذا ؟ شعر بحاجة إلى التقرب من الله ، وعندما شعر بحاجة إلى التقرب هو يسألك ، هو يمطرك أسئلة لا تنتهي ، متى بدأ يسأل ؟ حينما قدر الله عز وجل حق قدره ، حينما خاف أن ينقطع عنه ، وحينما رجا رحمته بدأ يسأل ، وحينما عظمه وقدره ، وحين خاف من عقابه ورجا ثوابه بدأ يسأل ، إذاً أصل الدين معرفته .﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾
الاتصال بالله ينعكس تزكية في النفس :
في الأعم الأغلب الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية بهذا نعرف الله ، الآن قال :
﴿ وَيُزَكِّيهِمْ﴾
مستحيل أن تنجح دعوة دون تذكير ، إنسان لئيم لو صلى و لكنه كان غشاشاً ، لسانه بذيئاً ، أنانياً ، غير منصف ، قلبه قاسياً ، مهما عبدت الله بهذه الأخلاق لا تقبل عند الله ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال :(( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ))
إذاً :﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ﴾
التزكية إما أن تأتي الخلق الكريم بدافع الذكاء والمصلحة ، وهذه أخلاق تجارية ولا قيمة لها عند الله إطلاقاً ، وإما أن تكون الأخلاق نتيجة اتصال النفس بالله ، حينما تكون الأخلاق نتيجة اتصال النفس بالله فهذه أخلاق أصيلة وثابتة ولا تتبدل باختلاف الزمان والمكان والظروف والأحوال ، وهي التي تسعى بصاحبها إلى أبد الآبدين ، أما كل إنسان أتيح له أن يكون ذكياً اجتماعياً فتجده متواضعاً ، لكن كِبر مغلّف بتواضع ، يدّعي أنه منصف مادامت القضية لا تمس مصالحه ، أما إذا مسّت مصالحه لا يعرف ماذا يحصل ، مادامت سمعته تقتضي أن يكون لطيفاً ورحيماً بالبيت تجده وحشاً ، فالأخلاق الناتجة عن مصلحة وذكاء هذه تنفعك في الدنيا فقط ، ولا قيمة لها عند الله إطلاقاً ، ليست هذه هي التزكية ، التزكية أن تكون رحيماً مع ابنك ، ومع ابن أخيك ، ومع أي ابن في الأرض ، قال النبي الكريم : ولكنها رحمة عامة .مرة كنت بمحل تجاري في يوم عطلة يوجد الصانع بالمحل من سن ابن صانع المحل بالضبط ، ابنه بالصف الثاني ، هذا الابن يتيم أخرجوه أهله من المدرسة ووضعوه في هذا المحل ، فحمّل الصانع أول توب ، ثاني توب ، ثالث توب . . . قال : لم أعد أستطيع ، قال: أنت شاب ، ابنه حمل توباً واحداً قال : انتبه لظهرك بابا ! خاف على ظهر ابنه لكن لم يخف على ابن الناس ، إن لم ترحم جميع الناس فلست مؤمناً ، هذه الرحمة ليس لها قيمة أساساً ، القطة ترحم أولادها ، الرحمة للأولاد هذه رحمة وضعها الله في قلب أي أب وأي أم ، قد تكون الأم فاسقة ، أو ملحدة ، أو زانية ، لكنها ترحم أولادها ، من أجل أن تستقيم الحياة ، فالرحمة الخاصة لا قيمة لها إطلاقاً ، ما لم تكن رحمة عامة ، النبي قال : ولكنها رحمة عامة ، أن ترحم كل الخلق ، أن ترحم الذي لا تعرفه ، وأن ترحم الذي ليس بينك وبينه صلة ، هذه الرحمة ، أن تكون منصفاً بين اثنين ، وإن كنت أنت الطرف يجب أن تكون منصفاً ، أن تنصف الناس بنفسك ، أن تأخذ الذي لك ، وتدع ما ليس لك ، هذه الرحمة وهذه التزكية التي بها ترقى إلى الله ، وهي المغطاة بقوله تعالى :
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾
هذه الفلاحة إنسان طاهر ، منصف ، متواضع ، رحيم ، يحب كل الخلق ، ينصف الناس من نفسه .﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾
هذه أحد ركائز الدعوة ، لابد من التعريف بالله .﴿ وَيُزَكِّيهِمْ﴾
يدعو أخوانه إلى أن يتصلوا بالله عن طريق الاستقامة اتصالاً حقيقياً حتى ينعكس هذا الاتصال تزكية في نفوسهم .القرآن الكريم منهج كلي تفصيلي :
مؤمن عرف الله كيف يتقرب إليه ؟ قال :
﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾
جاء المنهج ، الكتاب منهج كلي ، والحكمة في الأعم الأغلب هي الحديث الشريف منهج تفصيلي ، تماماً كالقوانين التشريعية والتنظيمية ، كل قانون تشريعي فيه حوالي ثلاثين أو أربعين مادة ، يصدر مرسوم تنظيمي فيه مئتان و خمسون مادة ، المرسوم التنظيمي شرح للقانون التشريعي ، أصبح لدينا تعريف بالله ، وتزكية ، ومنهج كلي ، ومنهج تفصيلي ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام كما ورد في الأثر :(( تركت فيكم شيئين ما إن تمثلتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنة رسوله ))
أي دعوة أغفلت منهج الله دعوة عرجاء :
الآن أي دعوة أغفلت يتلو عليهم آياته دعوة عرجاء ، أي دعوة أغفلت ويزكيهم عرجاء ، أي دعوة أغفلت ويعلمهم الكتاب والحكمة عرجاء ، أربع ركائز ؛ التعريف بالله ، وتزكية النفس ، ومعرفة المنهج الكلي والقرآن ، والمنهج التقسيمي وهي السنة ، هناك دعوة الآن خطيرة جداً إلى إلغاء السنة ، هذا الذي يدعو إلى إلغاء السنة هو نفسه يخالف القرآن لأن الله يقول :
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
وهناك أشياء كثيرة جداً لا نعرفها إلا من خلال السنة ، أنصبة الزكاة أين هي ؟ سنة فقط ، تفاصيل الصلاة سنة ، فهناك دعوة ناشطة في بقاع كثيرة في الأرض إلى إلغاء السنة لأن الهجوم على الدين لا يمكن أن يكون دفعة واحدة بل بالتدريج ، نبدأ بإلغاء السنة .﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
معاملة النبي لأصحابه :
الآن : النبي عليه الصلاة والسلام كيف عامل أصحابه ؟ عاملهم وكأنه واحد منهم ، كان في سفر كما ورد في الأثر :
((قال أحدهم : عليّ ذبح هذه الشاة ، وقال الثاني : عليّ سلخها ، وقال آخر : عليّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام : وعليّ جمع الحطب ، فقالوا : نكفيك ذلك يا رسول الله قال : أعلم أنكم تكفونني ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقاربه ))
هذا منهج ، عندما اقتسم الرواحل مع أصحابه قال : كل ثلاثة على راحلة - يوجد ثلاثمئة راحلة وأصحابه ألف ، معركة مصيرية وكل ثلاثة يتناوبون على واحدة - قال : وأنا وعلي وأبو لبابة على واحدة ، هو قائد الجيش ونبي الأمة وسيد الرسل عامل نفسه كجندي ، فركب عليه الصلاة والسلام وجاء دوره في السير توسلا إليه أن يبقى راكباً قال : ما أنتم بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكم عن الأجر .هذه الأخلاق ، أنت دعوت الناس بإلإخلاص لله عز وجل ، جمعت شابين أو ثلاثة لابد من أن تتواضع لهم ، وأن تعامل نفسك كواحد منهم .
رجل تفوق يجب ألا تعتّم عليه ، يجب أن تبرزه ، النبي قال : خالد سيف من سيوف الله ، أبو عبيدة أمين هذه الأمة ، الزبير حواري هذه الأمة ، أبو بكر وعمر مني بمثابة السمع والبصر ، لو كان نبي بعدي لكان عمر ، ورد في الأثر : "ما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر" .
أولاً : تواضع النبي الكريم ، وعمل نفسه واحداً منهم ، وأبرز إخوانه ، من عنده إمكانيات أو تفوق أعطاهم حقهم ، هذه دعوة أيضاً ، ومهما علا مقامك هناك أعمال صالحة هناك من يترفع عنها كثيراً ، أنا عملي أكبر بكثير ، لا ! سيدنا الصديق كان يحلب شياه جيرانه ، له جارة عجوز لا تقوى على حلب شياهها ، كان هو يحلبها ، صار خليفة المسلمين ، طبعاً توقعت جارته أنه لن يستمر بهذه الخدمة ، لأن هذا كان من قبل أن يكون خليفة ، أول يوم تسلم الخلافة طرق باب العجوز الأم قالت لابنتها : افتحي الباب يا بنيتي ، فلما فتحت الباب قالت الأم: من الطارق ؟ قالت : جاء حالب الشاة يا أماه لم يغير سيدنا الصديق ، مهما علا مقامك اخدم الناس ، كن واحداً منهم ، أي دعوة يجب أن ترتكز على :
﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
وأن ترتكز على أخلاق النبي في معاملة أصحابه .ورد في الأثر ؛ قال رجل : يا رسول الله الصلاة قصرت أم نسيت ؟ قال : كل هذا لم يكن ، لا قصرت ولا نسيت ، قال : لقد صليت ركعتين يا رسول الله ، فسأل أصحابه فقالوا : نعم، فقال عليه الصلاة والسلام : إنما نسيت كي أسن لكم سجود السهو ، قبله .
هناك شخص لا يقبل النصيحة .
مرة كنت بمؤتمر أحد المحاضرين يقول : لكرامة الإنسان على الله ، لكرامته على الله، كررها خمسين مرة تقريباً ، وعلى انفراد ، وأثنيت على محاضرته ثناء كبيراً وعلى علمه قلت : لكن أتمنى عليك أن تقول : لكرامة الإنسان عند الله ، فقال : لا ، ما أقول أصح ! لم يقبل أبداً ، قلت له بعد الثناء والترحيب : ما شاء الله على هذا العلم ! لكن على هي استعلاء ، على الله لا تصح ، لكرامة الإنسان عند الله ، لم يقبل وتشبث بأن ما يقوله صح ، من دون دليل طبعاً ، فالنبي علمنا التراجع .
جاء صحابي كريم وجد أن موقع بدر ليس جيداً ، كيف سيراجع نبياً ! رسولاً ! قال : يا رسول الله هذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة ؟ إذا قلت : هذا وحي لا أتفوه بحرف ، أما إذا كان رأيه اجتهاداً والله غير جيد ، قال : بل هو الرأي والمشورة ، قال : ليس بموقع ، بكل بساطة ! قال : أين الموقع المناسب ؟ قال : هناك ، قال : هذا الصواب انتقلوا إلى هناك ، هل رأيتم التواضع ؟ التواضع فضيلة نادرة وقلما تشرح ، التراجع عن الخطأ ، العلماء قالوا: الله عز وجل حجب عن الرسول الموقع المناسب وعياً واجتهاداً وإلهاماً حتى يبرز تواضعه ، وقبوله للنصيحة ، فالمؤمن يقبل نصيحة من طفل ، والله إذا كنت مؤمناً صادقاً تقبلها من طفل ، قال أبو حنيفة النعمان لغلام : إياك أن تسقط يا غلام - يوجد أمامه حفرة - قال : بل إياك يا إمام أن تسقط ، أنا إن سقطت سقطت وحدي ، وإنك إن سقطت سقط معك العالم ، أنا ما من مشكلة إذا سقطت ، أما أنت فالمثل الأعلى للناس ، فإن أخطأت اهتزت هذه القيم عند الناس ، والآن إذا الناس تعلقوا بأحد وأخطأ خطأً كبيراً يحطم الناس ، توسموا فيه الصلاح ، والورع ، والتقى ، والاستقامة ، والصدق ، فوجدوه مخطئاً ، وأكثر الناس حينما تهتز المثل العليا أمامهم لا تهتز هذه المثل وحدها يهتز الدين معها ، هذه خطيئة كبيرة .
تطبيق منهج الله مكسب كل إنسان :
فيا أيها الأخوة ؛ إذا أنتم أردتم الدعوة إلى الله عز وجل طبقوا هذا المنهج ، وهذه الدعوة إلى الله كما قال سيدنا عمر لست خيراً من أحدكم ولكنني أثقلكم حملاً – عبئاً - .
مرة رئيس أميركي عمل خطاباً يمكن من خمسين سنة تقريباً قال : أنا أفكر بشيء واحد ، ماذا يمكن أن أعطي لا أن آخذ ؟ وكل إنسان دعا إلى الله يفكر بهذا الطريق ، ماذا أستطيع أن أقدم للناس ؟ ماذا أستطيع أن أمنحهم ؟ أما شخص بمكانه فيراها مكسباً ، إن رأيتها مكسباً أزحت من الطريق ، أما إن رأيتها مغرماً لا مغنى فالله يوفقك ، إنك إن لم تسألها أعنت عليها .
فيا أيها الأخوة ؛ الأمور واضحة جداً ، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الشهر باعثاً لنا أن نسلك طريق الإيمان ببطولة عالية جداً .